کد مطلب:90805 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:154
أَوَ قَدْ تَفَرَّغْتُمْ لِلسُّؤَالِ عَمَّا لاَ یَعْنیكُمْ وَ هذِهِ مِصْرُ قَدِ افْتُتِحَتْ، وَ شیعَتی بِهَا قَدْ قُتِلَتْ، وَ قَتَلَ مُعَاوِیَةُ بْنُ حَدیجٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَبی بَكْرٍ. فَیَا لَهَا مِنْ مُصیبَةٍ. مَا أَعْظَمَ مُصیبَتی بِمُحَمَّدٍ، فَوَ اللَّهِ مَا كَانَ إِلاَّ كَبَعْضِ بَنِیَّ. سُبْحَانَ اللَّهِ، بَیْنَا نَرْجُو أَنْ نَغْلِبَ الْقَوْمَ عَلی مَا فی أَیْدیهِمْ إِذْ غَلَبُونَا عَلی مَا فی أَیْدینَا. وَ أَنَا مُخْرِجٌ لَكُمْ كِتَاباً فیهِ تَصْریحُ مَا سَأَلْتُمْ، وَ أَسْأَلُكُمْ أَنْ تَحْفَظُوا مِنْ حَقّی مَا ضَیَّعْتُمْ، فَاقْرَؤُوهُ عَلی شیعَتی، وَ كُونُوا عَلَی الْحَقِّ أَعْوَاناً. [ ثم أخرج علیه السلام لهم الكتاب و فیه: ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحیمِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلَیٍّ أَمیرِ الْمُؤْمِنینَ إِلی شیعَتِهِ مِنَ الْمُؤْمِنینَ وَ الْمُسْلِمینَ. وَ هُوَ اسْمٌ شَرَّفَهُ اللَّهُ تَعَالی فِی الْكِتَابِ، فَإِنَّهُ یَقُولُ: وَ إِنَّ مِنْ شیعَتِهِ لإِبْرَاهیمَ[1]. وَ أَنْتُمْ شیعَةُ النَّبِیِّ مُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، كَمَا أَنَّ مُحَمَّداً مِنْ شیعَةِ إِبْرَاهیمَ. إِسْمٌ غَیْرُ مُخْتَصٍّ، وَ أَمْرٌ غَیْرُ مُبْتَدَعٍ. وَ سَلاَمُ اللَّهِ عَلَیْكُمْ، وَ اللَّهُ هُوَ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ أَوْلِیَاءَهُ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهینِ، الْحَاكِمُ عَلَیْهِمْ [صفحه 869] بِعَدْلِهِ[2]. أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّداً صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ بَشیراً وَ[3] نَذیراً لِلْعَالَمینَ، وَ مُهَیْمِناً عَلَی الْمُرْسَلینَ، وَ أَمیناً عَلَی التَّنْزیلِ، وَ شَهیداً عَلی هذِهِ الأُمَّةِ[4]. وَ أَنْتُمُ مَعْشَرَ[5] الْعَرَبِ یَوْمَئِذٍ[6] عَلی شَرِّ دینٍ[7]، وَ فی شَرِّ دَارٍ. مُتَنَخُّونَ[8] بَیْنَ حِجَارَةٍ[9] خُشْنٍ، وَ حَیَّاتٍ[10] صُمٍّ، وَ أَوْثَانٍ مُضِلَّةٍ، وَ شَوْكٍ مَبْثُوثٍ فِی الْبِلاَدِ[11]. تَشْرَبُونَ الْمَاءَ[12] الْكَدِرَ[13]، وَ تَأْكُلُونَ الطَّعَامَ[14] الْجَشِبَ[15]. وَ تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ، وَ تَقْطَعُونَ أَرْحَامَكُمْ. یَغْذُو أَحَدُكُمْ كَلْبَهُ، وَ یَقْتُلُ وُلْدَهُ، وَ یُغیرُ عَلی غَیْرِهِ، فَیَرْجِعُ وَ قَدْ أُغیرَ عَلَیْهِ. [صفحه 870] وَ یَسْبی بَعْضُكُمْ بَعْضاً، وَ تَأْكُلُونَ أَمْوَالَكُمْ بَیْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ[16]. اَلأَصْنَامُ فیكُمْ مَنْصُوبَةٌ، وَ الآثَامُ بِكُمْ مَعْصُوبَةٌ، وَ سُبُلُكُمْ خَائِفَةٌ. تَأْكُلُونَ الْعِلْهِزَ وَ الْهَبیدَ وَ الْمیتَةَ وَ الدَّمَ. فَمَنَّ اللَّهُ عَلَیْكُمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، فَبَعَثَهُ إِلَیْكُمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ، وَ قَالَ فیمَا أَنْزَلَ مِنْ كِتَابِهِ: هُوَ الَّذی بَعَثَ فِی الأُمِّیّینَ رَسُولاً مِنْهُمْ یَتْلُو عَلَیْهِمْ آیَاتِهِ وَ یُزَكّیهِمْ وَ یُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ إِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفی ضَلاَلٍ مُبینٍ[17]. وَ قَالَ: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزیزٌ عَلَیْهِ مَا عَنِتُّمْ حَریصٌ عَلَیْكُمْ بِالْمُؤْْمِنینَ رَؤُوفٌ رَحیمٌ[18]. وَ قَالَ: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَی الْمُؤْمِنینَ إِذْ بَعَثَ فیهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ[19]. وَ قَالَ: ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ یُؤْتیهِ مَنْ یَشَاءُ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظیمِ[20]. فَكَانَ الرَّسُولُ إِلَیْكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ بِلِسَانِكُمْ، وَ كُنْتُمْ أَوَّلَ الْمُؤْمِنینَ تَعْرِفُونَ وَجْهَهُ وَ شِعْبَهُ وَ عِمَارَتَهُ، فَعَلَّمَكُمْ الْكِتَابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ الْفَرَائِضَ وَ السُّنَّةَ. وَ أَمَرَكُمْ بِصِلَةِ أَرْحَامِكُمْ، وَ حَقْنِ دِمَائِكُمْ، وَ صَلاَحِ ذَاتِ بَیْنِكُمْ، وَ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلی أَهْلِهَا[21]، وَ أَنْ تُوفُوا بِالْعَهْدِ وَ لاَ تَنْقُضُوا الأَیْمَانَ بَعْدَ تَوْكیدِهَا[22]. وَ أَمَرَكُمْ أَنْ تَعَاطَفُوا، وَ تَبَارُّوا، وَ تَبَاشَرُوا، وَ تَبَاذَلُوا، وَ تَرَاحَمُوا. وَ نَهَاكُمْ عَنِ التَّنَاهُبِ، وَ التَّظَالُمِ، وَ التَّحَاسُدِ، وَ التَّبَاغی، وَ التَّقَاذُفِ، وَ عَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ، وَ بَخْسِ الْمِكْیَالِ، وَ نَقْصِ الْمیزَانِ. وَ تَقَدَّمَ إِلَیْكُمْ، فیمَا تَلی عَلَیْكُمْ، أَنْ لاَ تَزْنُوا، وَ لاَ تَرْبُوا، وَ لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَ الْیَتَامی ظُلْمَاً، وَ لاَ [صفحه 871] تَعْثَوْا فِی الأَرْضِ مُفْسِدینَ[23]، وَ لاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ یُحِبُّ الْمُعْتَدینَ[24]. فَكُلُّ خَیْرٍ یُدْنی إِلَی الْجَنَّةِ وَ یُبَاعِدُ عَنِ النَّارِ قَدْ أَمَرَكُمْ بِهِ، وَ حَضَّكُمْ عَلَیْهِ، وَ كُلُّ شَرٍّ یُدْنی إِلَی النَّارِ وَ یُبَاعِدُ عَنِ الْجَنَّةِ قَدْ نَهَاكُمْ عَنْهُ. وَ قَدْ خَصَّ اللَّهُ قُرَیْشاً بِثَلاَثِ آیَاتٍ، وَ عَمَّ الْعَرَبَ بِآیَةٍ. فَأَمَّا الآیَاتُ اللَّوَاتی فی قُرَیْشٍ فَهِیَ: قَوْلُهُ تَعَالی: وَ اذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلیلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِی الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ یَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَ أَیَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَ رَزَقَكُمْ مِنَ الطَّیِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ[25]. وَ الثَّانِیَةُ: وَعَدَ اللَّهُ الَّذینَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَیَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِی الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذینَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَیُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دینَهُمُ الَّذِی ارْتَضی لَهُمْ وَ لَیُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً یَعْبُدُونَنی لاَ یُشْرِكُونَ بی شَیْئاً وَ مَنْ كَفَرَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[26]. وَ الثَّالِثَةُ: قَوْلُ قُرَیْشٍ لِنَبِیِّ اللَّهِ حینَ دَعَاهُمْ إِلَی الإِسْلاَمِ وَ الْهِجْرَةِ، فَقَالُوا: إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدی مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا[27]. فَقَالَ اللَّهُ تَعَالی: أَ وَ لَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً یُجْبی إِلَیْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَیْ ءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ یَعْلَمُونَ[28]. وَ أَمَّا الآیَةُ الَّتی عَمَّ بِهَا الْعَرَبَ، فَهِیَ قَوْلُهُ تَعَالی: وَ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَیْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَیْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَ كُنْتُمْ عَلی شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ یُبَیِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آیَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ[29]. فَیَا لَهَا مِنْ نِعْمَةٍ مَا أَعْظَمَهَا إِنْ لَمْ تَخْرُجُوَا مِنْهَا إِلی غَیْرِهَا. وَ یَا لَهَا مَنْ مُصیبَةٍ مَا أَعْظَمَهَا، إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا بِهَا، وَ تَرْغَبُوا عَنْهَا. فَلَمَّا اسْتَكْمَلَ نَبِیُّ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ مُدَّتَهُ مِنَ الدُّنْیَا، تَوَفَّاهُ اللَّهُ إِلَیْهِ سَعیداً حَمیداً، مَشْكُوراً سَعْیُهُ، مَرْضِیّاً عَمَلُهُ، مَغْفُوراً ذَنْبُهُ، شَریفاً عِنْدَ اللَّهِ نُزُلُهُ. [صفحه 872] فَیَا لَمَوْتُهُ مُصیبَةٌ خَصَّتِ الأَقْرَبینَ، وَ عَمَّتْ جَمیعَ الْمُسْلِمینَ، مَا أُصیبُوا قبْلَهَا بِمِثْلِهَا، وَ لَنُ یُعَایِنُوا بَعْدَهَا أُخْتَهَا[30]. فَلَمَّا مَضی صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ لِسَبیلِهِ، وَ قَدْ بَلَّغَ مَا أُرْسِلَ بِهِ، وَ تَرَكَ كِتَابَ اللَّهِ وَ أَهْلَ بَیْتِهِ إِمَامَیْنِ لاَ یَخْتَلِفَانِ، وَ أَخَوَیْنِ لاَ یَتَخَاذَلاَنِ، وَ مُجْتَمِعَیْنِ لاَ یَتَفَرَّقَانِ[31]، تَنَازَعَ الْمُسْلِمُونَ الأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ. وَ لَقَدْ قَبَضَ اللَّهُ نَبِیَّهُ مُحَمَّداً صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ لأَنَا أَوْلَی النَّاسِ بِهِ مِنِّی بِقَمیصی هذَا[32]. فَوَ اللَّهِ مَا كَانَ یُلْقی فی رَوْعی، وَ لاَ یَخْطُرُ بِبَالی[33]، وَ لاَ عَرَضَ فی رَأْیی، أَنَّ وَجْهَ النَّاسِ إِلی غَیْری، وَ[34] أَنَّ الْعَرَبَ تُزْعِجُ[35] هذَا الأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ[36] صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ عَنْ أَهْلِ بَیْتِهِ، وَ لاَ أَنَّهُمْ مُنَحُّوهُ عَنّی مِنْ بَعْدِهِ. فَلَمَّا أَبْطَؤُوا عَنّی بِالْوَلاَیَةِ لِهِمَمِهِمْ، وَ تَثَبَّطَ الأَنْصَارُ، وَ هُمْ أَنْصَارُ اللَّهِ وَ كَتیبَةُ الإِسْلاَمِ[37]. هُمْ، وَ اللَّهِ، رَبُّوا الإِسْلاَمَ كَمَا یُرَبَّی الْفَلْوُ مَعَ غَنَائِهِمْ[38]، بِأَیْدیهِمُ السِّبَاطِ[39]، وَ أَلْسِنَتِهِمُ السِّلاَطِ. [صفحه 873] وَ قَالُوا: أَمَّا إِذَا لَمْ تُسَلِّمُوهَا لِعَلِیٍّ فَصَاحِبُنَا أَحَقُّ بِهَا مِنْ غَیْرِهِ. فَوَ اللَّهِ مَا أَدْری إِلی مَنْ أَشْكُو ؟. فَإِمَّا أَنْ یَكُونَ الأَنْصَارُ ظُلِمَتْ حَقَّهَا، وَ إِمَّا أَنْ یَكُونُوا ظَلَمُونی حَقّی. بَلْ حَقِّیَ الْمَأْخُوذُ، وَ أَنَا الْمَظْلُومُ. فَقَالَ قَائِلُ قُرَیْشٍ: إِنَّ نَبِیَّ اللَّهِ قَالَ: الأَئِمَّةُ مِنْ قُرَیْشٍ، فَدَفَعُوا الأَنْصَارَ عَنْ دَعْوَتِهَا، وَ مَنَعُونی حَقّی مِنْهَا[40]. وَا عَجَباً[41] أَتَكُونُ الْخِلاَفَةُ بِالصَّحَابَةِ، وَ لاَ تَكُونُ بِالْقَرَابَةِ وَ الصَّحَابَةِ ؟. فَإِنْ كُنْتَ بِالشُّوری مَلَكْتَ أُمُورَهُمْ وَ إِنْ كُنْتَ بِالْقُرْبی حَجَجْتَ خَصیمَهُمْ وَ لَقَدْ أَتَانی رَهْطٌ یَعْرِضُونَ النَّصْرَ عَلَیَّ، مِنْهُمْ أَبْنَاءُ سَعیدٍ، وَ الْمِقْدَادُ بْنُ الأَسْوَدِ، وَ أَبُو ذَرٍّ الْغِفَارِی، وَ عَمَّارُ بْنُ یَاسِرٍ، وَ سَلْمَانُ الْفَارِسِیُّ، وَ الزُّبَیْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، وَ الْبُرَاءُ بْنُ عَازِبٍ. فَقُلْتُ لَهُمْ: إِنَّ عِنْدی مِنْ نَبِیِّ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ عَهْداً، وَ لَهُ إِلَیَّ وَصِیَّةٌ، وَ لَسْتُ أُخَالِفُ مَا أَمَرَنی بِهِ. فَوَ اللَّهِ لَوْ خَزَمُونی بِأَنْفی لأَقْرَرْتُ للَّهِ تَعَالی سَمْعاً وَ طَاعَةً[42]. فَمَا رَاعَنی إِلاَّ انْثِیَالُ النَّاسَ عَلی فُلاَنٍ[43] وَ إِجْفَالُهُمْ إِلَیْهِ[44] یُبَایِعُونَهُ[45]. فَأَمْسَكْتُ یَدِی، وَ رَأَیْتُ أَنّی أَوْلی وَ أَحَقُّ بِمَقَامِ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فِی [صفحه 874] النَّاسِ مِمَّنْ تَوَلَّی الأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ[46]. وَ قَدْ كَانَ نَبِیُّ اللَّهِ أَمَّرَ أُسَامَةَ بْنَ زَیْدٍ عَلی جَیْشٍ وَ جَعَلَهُمَا فی جَیْشِهِ، وَ مَا ظَنَنْتُ أَنَّهُ تَخَلَّفَ عَنْ جَیْشِ أُسَامَةَ، إِذْ كَانَ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قَدْ أَمَّرَهُ عَلَیْهِ وَ عَلی صَاحِبِهِ. وَ مَا زَالَ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ إِلی أَنْ فَاضَتْ نَفْسُهُ یَقُولُ: أَنْفِذُوا جَیْشَ أُسَامَةَ. أَنْفِذُوا جَیْشَ أُسَامَةَ. فَلَبِثْتُ بِذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ[47]، حَتَّی رَأَیْتُ رَاجِعَةَ النَّاسِ قَدْ رَجَعَتْ عَنِ الإِسْلاَمِ، یَدْعُونَ إِلی مَحْقِ دینِ اللَّهِ، وَ مَحْوِ مِلَّةِ[48] مُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ إِبْرَاهیمَ عَلَیْهِ السَّلاَمُ[49]. فَخَشیتُ، إِنْ أَنَا قَعَدْتُ وَ[50] لَمْ أَنْصُرِ الإِسْلاَمَ وَ أَهْلَهُ، أَنْ أَری فیهِ ثَلْماً أَوْ هَدْماً، تَكُونُ الْمُصیبَةُ بِهِ عَلَیَّ أَعْظَمُ مِنْ فَوْتِ[51] وِلاَیَتِكُمُ[52] الَّتی إِنَّمَّا هِیَ مَتَاعُ أَیَّامٍ قَلاَئِلَ، ثُمَّ[53] یَزُولُ مِنْهَا مَا كَانَ كَمَا یَزُولُ السَّرَابُ، أَوْ یَنْقَشِعُ[54] كَمَا یَنْقَشِعُ السَّحَابُ. وَ رَأَیْتُ النَّاسَ قَدِ امْتَنَعُوا بِقُعُودی عَنِ الْخُرُوجِ إِلَیْهِمْ، فَمَشَیْتُ عِنْدَ ذَلِكَ إِلی أَبی بَكْرٍ فَبَایَعْتُهُ، وَ[55] نَهَضْتُ مَعَ الْقَوْمِ[56] فی تِلْكَ الأَحْدَاثِ حَتَّی زَاحَ[57] الْبَاطِلُ وَ زَهَقَ، وَ اطْمَأَنَّ الدّینُ وَ تَنَهْنَهَ، [صفحه 875] وَ كَانَتْ كَلِمَةُ اللَّهِ هِیَ الْعُلْیَا وَ لَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ. وَ لَوْ لاَ أَنّی فَعَلْتُ ذَلِكَ لَبَادَ الإِسْلاَمُ. وَ لَقَدْ كَانَ سَعْدٌ، لَمَّا رَأَی النَّاسَ یُبَایِعُونَ أَبَا بَكْرٍ، نَادی: أَیُّهَا النَّاسُ، إِنّی، وَ اللَّهِ، مَا أَرَدْتُهَا حَتَّی رَأَیْتُكُمْ تَصْرِفُونَهَا عَنْ عَلِیٍّ، وَ لاَ أُبَایِعُكُمْ حَتَّی یُبَایِعَكُمْ عَلِیٌّ، وَ لَعَلّی لاَ أَفْعَلُ وَ إِنْ بَایَعَ. ثُمَّ رَكِبَ دَابَّتَهُ وَ أَتی « حَوْرَانَ »، وَ أَقَامَ فی خَانٍ فی « عِنَان » حَتَّی هَلَكَ، وَ لَمْ یُبَایِعْ. وَ قَامَ فَرْوَةُ بْنُ عَمْرِو الأَنْصَارِیُّ، وَ كَانَ یَقُودُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فَرَسَیْنِ، وَ یَصْرِمُ أَلْفَ وَسَقٍ مِنْ تَمْرٍ فَیَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَی الْمَسَاكینَ، فَنَادی: یَا مَعْشَرَ قُرَیْشٍ، أَخْبِرُونی هَلْ فیكُمْ رَجُلٌ تَحِلُّ لَهُ الْخِلاَفَةُ وَ فیهِ مَا فی عَلِیٍّ ؟. فَقَالَ قَیْسُ بْنُ مَحْزَمَةَ الزُّهْرِیُّ: لَیْسَ فینَا مَنْ فیهِ مَا فی عَلِیٍّ. فَقَالَ: صَدَقْتَ. فَهَلْ فی عَلِیٍّ مَا لَیْسَ فی أَحَدٍ مِنْكُمْ ؟. قَالَ: نَعَمْ. قَالَ فَمَا صَدَّكُمْ عَنْهُ ؟. قَالَ: اجْتِمَاعُ النَّاسِ عَلی أَبی بَكْرٍ. قَالَ: أَمَا، وَ اللَّهِ، لَئِنْ أَصَبْتُمْ سُنَّتَكُمْ فَقَدْ أَخْطَأْتُمْ سُنَّةَ نَبِیِّكُمْ، وَ لَوْ جَعَلْتُمُوهَا فی أَهْلِ بَیْتِ نَبِیِّكُمْ لأَكَلْتُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ. فَتَولَّی أَبُو بَكْرٍ تِلْكَ الأُمُورَ فَیَسَّرَ وَ سَدَّدَ، وَ قَارَبَ وَ اقْتَصَدَ، حَسَبَ اسْتِطَاعَتِهِ، عَلی ضَعْفٍ وَ حَدٍّ كَانَا فیهِ، فَصَحِبْتُهُ مُنَاصِحاً، وَ أَطَعْتُهُ فیمَا أَطَاعَ اللَّهَ فیهِ جَاهِداً. وَ مَا طَمِعْتُ، أَنْ لَوْ حَدَثَ بِهِ حَادِثٌ وَ أَنَا حَیٌّ أَنْ یَرُدَّ إِلَیَّ الأَمْرَ الَّذی نَازَعْتُهُ فیهِ طَمَعَ مُسْتَیْقِنٍ، وَ لاَ یَئِسْتُ مِنْهُ یَأْسَ مَنْ لاَ یَرْجُوهُ[58]. وَ لَوْ لاَ خَاصَّةٌ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ عُمَرَ، وَ أَمْرٌ كَانَا رَضِیَاهُ بَیْنَهُمَا، لَظَنَنْتُ أَنَّهُ لاَ یَعْدِلُهُ عَنّی. وَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ لِبُرَیْدَةَ الأَسْلَمِیِّ، حینَ بَعَثَنی وَ خَالِدَ بْنَ الْوَلیدِ إِلَی الْیَمَنِ: إِذَا افْتَرَقْتُمَا فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا عَلی حِیَالِهِ، وَ إِذَا اجْتَمَعْتُمَا فَعَلِیُّ عَلَیْكُمْ جَمیعاً. فَغَزَوْنَا، وَ أَصَبْنَا سَبْیاً فیهِمْ بِنْتُ جَعْفَرَ جَارِ الصَّفَا. وَ إِنَّمَا سُمِّیَتْ جَارُ الصَّفَا لِحُسْنِهَا. [صفحه 876] فَأَخَذْتُ الْحَنَفِیَّةَ خَوْلَةَ وَ اغْتَنَمَهَا خَالِدٌ مِنّی، وَ بَعَثَ بُرَیْدَةَ إِلی رَسُولِ اللَّهِ مُحَرِّشاً عَلَیَّ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ مِنْ أَخْذی خَوْلَةَ. فَقَالَ [ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ]: یَا بُرَیْدَةُ، حَظُّهُ فِی الْخُمُسِ أَكْثَرُ مِمَّا أَخَذَ، إِنَّهُ وَلِیُّكُمْ بَعْدی. سَمِعَهَا أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ، وَ هذَا بُرَیْدَةُ حَیٌّ لَمْ یَمُتْ. فَهَلْ بَعْدَ هذَا مَقَالٌ لِقَائِلٍ ؟. فَلَمَّا احْتُضِرَ بَعَثَ إِلی عُمَرَ فَوَلاَّهُ دُونَ الْمَشُورَةِ. وَ تَوَلَّی عُمَرُ الأَمْرَ[59] [60] فَأَقَامَ وَ اسْتَقَامَ، فَسَمِعْنَا وَ أَطَعْنَا، وَ بَایَعْنَا وَ نَاصَحْنَا، عَلی عَسْفٍ وَ عَجْرَ فِیَّةٍ كَانَا فیهِ[61]، حَتَّی ضَرَبَ الدّینُ بِجِرَانِهِ. فَكَانَ مَرْضِیَّ السِّیَرةِ مِنْ النَّاسِ، مَیْمُونَ النَّقیبَةِ عِنْدَهُمْ. حَتَّی إِذَا احْتُضِرَ قُلْتُ فی نَفسی: لَیْسَ یَعْدِلُ بِهذَا الأَمْرِ[62] عَنّی لِلَّذی قَدْ رَأی مِنّی فِی الْمَوَاطِنَ، وَ بَعْدَ مَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ مَا سَمِعَ. فَجَعَلَهَا عُمَرُ شُوری، وَ جَعَلَنی سَادِسَ سِتَّةٍ، وَ أَمَرَ صُهَیْباً أَنْ یُصَلِّیَ بِالنَّاسِ، وَ دَعَا أَبَا طَلْحَةَ زَیْدَ بْنَ سَعْدٍ الأَنْصَارِیَّ فَقَالَ لَهُ: كُنْ فی خَمْسینَ رَجُلاً مِنْ قَوْمِكَ، فَاقْتُلْ مَنْ أَبی أَنْ یَرْضی مِنْ هؤُلاَءِ السِّتَّةِ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا عُثْمَانَ ثَالِثاً [ وَ هُوَ ] لَمْ یَكُنْ یَمْلِكُ مِنْ أَمْرِ نَفْسِهِ شَیْئاً، غَلَبَ عَلَیْهِ أَهْلُهُ، فَقَادُوهُ إِلی أَهْوَائِهِمْ كَمَا تَقُودُ الْوَلیدَةُ الْبَعیرَ الْمَخْطُومَ. فَلَمْ یَزَلِ الأَمْرُ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ النَّاسِ یَبْعُدُ تَارَةً وَ یَقْرُبُ أُخْری، حَتَّی نَزَوْا عَلَیْهِ فَقَتَلُوهُ. فَالْعَجَبُ مِنِ اخْتِلاَقِ الْقَوْمِ، إِذْ زَعَمُوا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ اسْتَخْلَفَهُ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ. [صفحه 877] فَلَوْ كَانَ هذَا حَقّاً لَمْ یَخْفَ عَلَی الأَنْصَارِ فَبَایَعَهُ النَّاسُ عَلی شُوری. ثُمَّ جَعَلَهَا أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ بِرَأْیِهِ خَاصَّةً. ثُمَّ جَعَلَهَا عُمَرُ بِرَأْیِهِ شُوری بَیْنَ سِتَّةٍ. فَهذَا الْعَجَبُ مِنِ اخْتِلاَقِهِمْ. وَ الدَّلیلُ عَلی مَا لاَ أُحِبُّ أَنْ أَذْكُرَ قَوْلُهُ: هؤُلاَءِ الرَّهْطُ الَّذینَ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ هُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ، فَكَیْفَ یَأْمُرُ بِقَتْلِ قَوْمٍ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَ رَسُولُهُ ؟. إِنَّ هذَا لأَمْرٌ عَجیبٌ. وَ لَمْ یَكُونُوا لِوِلاَیَةِ أَحَدٍ أَشَدَّ كَرَاهِیَةً مِنْهُمْ لِوِلاَیَتی عَلَیْهِمْ، لأَنَّهُمْ كَانُوا یَسْمَعُونَنی عِنْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ أَنَا أُحَاجُّ أَبَا بَكْرٍ وَ أَقُولُ: یَا مَعْشَرَ قُرَیْشٍ، إِنَّا أَهْلَ الْبَیْتِ أَحَقُّ بِهذَا الأَمْرِ مِنْكُمْ مَا كَانَ مِنْكُمْ مَنْ یَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَ یَعْرِفُ السُّنَّةَ، وَ یَدینُ بِدینِ اللَّهِ الْحَقِّ ؟. أَنَا، وَ اللَّهِ، أَوْلی بَهذَا الأَمْرِ مِنْكُمْ، وَ أَنْتُمْ أَوْلی بِالْبَیْعَةِ لی. وَ إِنَّمَا حُجَّتی أَنّی وَلِیُّ هذَا الأَمْرِ دُونَ قُرَیْشٍ أَنَّ نَبِیَّ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ قَالَ: الْوِلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ. فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ بِعِتْقِ الرِّقَابِ مِنَ النَّار، وَ بِعِتْقِهَا مِنَ السَّیْفِ، وَ هذَانِ لَمَّا اجْتَمَعَا كَانَا أَفْضَلَ مِنْ عِتْقِ الرِّقَابِ مِنَ الرِّقِّ. فَكَانَ لِلنَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وِلاَءُ هذِهِ الأُمَّةِ. وَ كَانَ لی بَعْدَهُ مَا كَانَ لَهُ. أَخَذْتُمْ هذَا الأَمْرَ مِنَ الأَنْصَارِ وَ احْتَجَجْتُمْ عَلَی الْعَرَبْ بِالْقَرَابَةِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ، وَ تَأْخُذُونَهُ مِنَّا أَهْلَ الْبَیْتِ غَصْباً وَ ظُلْماً ؟. أَلَسْتُمْ زَعَمْتُمْ لِلأَنْصَارِ أَنَّكُمْ أَوْلی بِهذَا الأَمْرِ مِنْهُمْ لِمَكَانِكُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ لَمَّا كَانَ مُحَمَّدٌ مِنْكُمْ. فَأَعْطَوْكُمُ الْمَقَادَةَ، وَ سَلَّمُوا إِلَیْكُمُ الإِمَارَةَ ؟. وَ أَنَا أَحْتَجُّ عَلَیْكُمْ بِمِثْلِ مَا احْتَجَجْتُمْ بِهِ عَلَی الأَنْصَارِ وَ الْعَرَبِ. أَنَا أَوْلی بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ مِنْكُمْ حَیّاً وَ مَیِّتاً. وَ أَنَا وَصِیُّهُ وَ وَزیرُهُ، وَ مُسْتَوْدَعُ عِلْمِهِ وَ سِرِّهِ. وَ أَنَا الصِّدّیق الأَكْبَرُ، أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِهِ وَ صَدَّقَهُ. وَ أَحْسَنُكُمْ بَلاءً فی جِهَادِ الْمُشْرِكینَ، وَ أَعْرَفُكُمْ بِالْكِتَابِ وَ السُّنَّةِ، وَ أَفْقَهُكُمْ فی الدّینِ، وَ أَعْلَمُكُمْ [صفحه 878] بِعَوَاقِبِ الأُمُورِ، وَ أَذْرَبُكُمْ لِسَاناً، وَ أَثْبَتُكُمْ جَنَاناً. فَمَا جَازَ لِقُرَیْشٍ مِنْ فَضْلِهَا عَلَی الْعَرَبِ بِالنَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ جَازَ لِبَنی هَاشِمٍ عَلی قُرَیْشٍ، وَ مَا [ جَازَ ] لِبَنی هَاشِمٍ عَلی قُرَیْشٍ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ جَازَ لی عَلی بَنی هَاشِمٍ، لِقَوْلِ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ یَوْمَ غَدیرِ خُمٍّ: مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَهذَا عَلِیٌّ مَوْلاَهُ. إِلاَّ أَنْ تَدَّعِیَ قُرَیْشٌ فَضْلَهَا عَلَی الْعَرَبِ بِغَیْرِ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ، فَإِنْ شَاؤُوا فَلْیَقُولُوا ذَلِكَ. فَعَلاَمَ تُنَازِعُونَا هذَا الأَمْرَ ؟. أَنْصِفُونَا مِنْ أَنْفُسِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَخَافُونَ اللَّهَ[63]، وَ اعْرِفُوا لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِثْلَ مَا عَرَفَتْهُ الأَنْصَارُ لَكُمْ، وَ إِلاَّ فَبُوؤُوا بِالظُّلْمِ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ[64]. فَنَظَرْتُ فی أَمْری، فَإِذَا طَاعَتی قَدْ سَبَقَتْ بَیْعَتی، وَ إِذَا الْمیثَاقُ فی عُنُقی لِغَیْری. فَخَشِیَ الْقَوْمُ إِنْ أَنَا وَلیتُ عَلَیْهِمْ أَنْ آخُذَ بِأَنْفَاسِهِمْ، وَ أَعْتَرِضَ فی حُلُوقِهِمْ، وَ لاَ یَكُونَ لَهُمْ فِی الأَمْرِ نَصیبٌ مَا بَقَوْا، فَأَجْمَعُوا عَلَیَّ إِجْمَاعَ رَجُلٍ وَاحِدٍ[65] حَتَّی صَرَفُوا الْوِلاَیَةَ إِلی عُثْمَانَ، وَ أَخْرَجُونی مِنَ الإِمْرَةِ عَلَیْهِمْ رَجَاءَ أَنْ یَنَالُوهَا وَ یَتَدَاوَلُوهَا فیمَا بَیْنَهُمْ إِذْ[66] یَئِسُوا أَنْ یَنَالُوهَا مِنْ قِبَلی. فَبَیْنَاهُمْ كَذَلِكَ إِذْ نَادی مُنَادٍ لاَ یُدْری مَنْ هُوَ، وَ أَظُنُّهُ جِنِّیّاً، فَأَسْمَعَ أَهْلَ الْمَدینَةِ لَیْلَةَ بَایَعُوا عُثْمَانَ فَقَالَ: یَا نَاعِیَ الإِسْلاَمِ قُمْ فَانْعِهِ مَا لِقُرَیْشٍ لاَ عَلا كَعْبُهَا إِنَّ عَلِیّاً هُوَ أَوْلی بِهِ [صفحه 879] فَكَانَ لَهُمْ فی ذَلِكَ عِبْرَةٌ. وَ لَوْ لاَ أَنَّ الْعَامَّةَ قَدْ عَلِمَتْ بِذَلِكَ لَمْ أَذْكُرْهُ. ثُمَّ دَعَوْنی إِلی بَیْعَةِ عُثْمَانَ، فَقَالُوا: هَلُمَّ بَایِعْ، وَ إِلاَّ جَاهَدْنَاكَ. فَبَایَعْتُ مُسْتَكْرَهاً، وَ صَبَرْتُ مُحْتَسِباً، وَ عَلَّمْتُ أَهْلَ الْقُنُوتِ أَنْ یَقُولُوا: اللَّهُمَّ لَكَ أَخْلَصَتِ[67] الْقُلُوبُ، وَ إِلَیْكَ شَخَصَتِ الأَبْصَارُ، وَ أَنْتَ دُعیتَ بِالأَلْسُنِ، وَ إِلَیْكَ تُحُوكِمَ[68] فِی الأَعْمَالِ، فَافْتَحْ بَیْنَنَا وَ بَیْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ. اللَّهُمَّ إِنَّا نَشْكُو إِلَیْكَ غَیْبَةَ[69] نَبِیِّنَا، وَ كَثْرَةَ عَدُوِّنَا، وَ قِلَّةَ عَدَدِنَا، وَ هَوَانَنَا عَلَی النَّاسِ، وَ شِدَّةَ الزَّمَانِ، وَ وُقُوعَ الْفِتَنِ. اَللَّهُمَّ فَفَرِّج ذَلِكَ بِعَدْلٍ تُظْهِرُهُ، وَ سُلْطَانِ حَقٍّ تَعْرِفُهُ[70]. وَ قَالَ لی قَائلٌ مِنْهُمْ[71]: إِنَّكَ عَلَی الأَمْرِ، یَا ابْنَ أَبی طَالِبٍ[72]، لَحَریصٌ. فَقُلْتُ: لَسْتُ عَلَیْهِ حَریصاً[73]، بَلْ أَنْتُمْ، وَ اللَّهِ، لأَحْرَصُ عَلَیْهِ مِنِّی[74] وَ أَبْعَدُ، وَ أَنَا أَخَصُّ وَ أَقْرَبُ. أَیُّنَا أَحْرَصُ، أَنَا الَّذی[75] إِنَّمَا طَلَبْتُ میرَاثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، وَ[76] حَقّاً لی[77] جَعَلَنِیَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَوْلی بِهِ، وَ أَنَّ وِلاَءَ أُمَّتِهِ لی مِنْ بَعْدِهِ، أَمْ[78] أَنْتُمُ إِذْ[79] تَحُولُونَ بَیْنی [صفحه 880] وَ بَیْنَهُ، وَ تَضْرِبُونَ وَجْهِیَ دُونَهُ بِالسَّیْفِ[80]. فَلَمَّا قَرَعْتُهُ بِالْحُجَّةِ فِی الْمَلأِ الْحَاضِرینَ، هَبَّ كَأَنَّهُ بُهِتَ، لاَ یَدْری مَا یُجیبُنی بِهِ، وَ اللَّهُ لاَ یَهْدِی الْقَوْمَ الظَّالِمینَ[81]. اَللَّهُمَّ إِنّی أَسْتَعْدیكَ[82] عَلی قُرَیْشٍ وَ مَنْ أَعَانَهُمْ. اَللَّهُمَّ فَخُذْ بِحَقّی مِنْهُم، وَ لا تَدَعْ مَظْلَمَتی لَهُمْ، إِنَّكَ الْحَكَمُ الْعَدْلُ[83]، فَإِنَّهُمْ قَدْ قَطَعُوا رَحِمی، وَ أَكْفَأُوا إِنَائِی، وَ أَضَاعُوا أَیَّامی، وَ دَفَعُوا حَقّی[84]، وَ صَغَّرُوا قَدْرِی وَ فَضْلی وَ[85] عَظیمَ مَنْزِلَتی، وَ اسْتَحَلُّوا الْمَحَارِمَ مِنّی[86]، وَ أَجْمَعُوا عَلی مُنَازَعَتی حَقّاً كُنْتُ أَوْلی بِهِ مِنْ غَیْری[87]، فَسَلَبُونیهِ[88]، ثُمَّ قَالُوا: إِنَّكَ لَحَریصٌ مُتَّهَمٌ[89]، أَلاَ إِنَّ فِی الْحَقِّ أَنْ نَأْخُذَهُ[90]، وَ فِی الْحَقِّ أَنْ تُمْنَعَهُ، فَاصْبِرْ مَغْمُوماً كَمِداً[91]، أَوْ مُتْ مُتَأَسِّفاً حَنِقاً. وَ أَیْمُ اللَّهِ لَوِ اسْتَطَاعُوا أَنْ یَدْفَعُوا قَرَابَتی كَمَا قَطَعُوا سَبَبی فَعَلُوا، وَ لكِنَّهُمْ لَمْ یَجِدُوا إِلی ذَلِكَ سَبیلاً. وَ إِنَّمَا حَقّی عَلی هذَهِ الأُمَّةِ كَرَجُلٍ لَهُ حَقٌّ عَلی قَوْمٍ إِلی أَجَلٍ مَعْلُومٍ، فَإِنْ أَحْسَنُوا وَ عَجَّلُوا لَهُ [صفحه 881] حَقَّهُ قَبِلَهُ حَامِداً، وَ إِنْ أَخَّرُوهُ إِلی أَجَلِهِ أَخَذَهُ غَیْرَ حَامِدٍ. وَ[92] لاَ یُعَابُ الْمَرْءُ بِتَأْخیرِ حَقِّهِ، إِنَّمَا یُعَابُ مَنْ أَخَذَ مَا لَیْسَ لَهُ. وَ قَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ عَهِدَ إِلَیَّ عَهْداً، فَقَالَ: یَا ابْنَ أَبی طَالِبٍ، لَكَ وِلاَءُ أُمَّتی مِنْ بَعْدی، فَإِنْ وَلَّوْكَ فی عَافِیَةٍ، وَ أَجْمَعُوا عَلَیْكَ بِالرِّضَا، فَقُمْ بِأَمْرِهِمْ. وَ إِنِ اخْتَلَفُوا عَلَیْكَ فَدَعْهُمْ وَ مَا هُمْ فیهِ، فَإِنَّ اللَّهَ سَیَجْعَلُ لَكَ مَخْرَجاً[93]. فَنَظَرْتُ فَإِذَا لَیْسَ لی مُعینٌ وَ لاَ رَافِدٌ وَ لاَ ذَابٌّ، وَ لاَ مَعی نَاصِرٌ وَ لاَ[94] مُسَاعِدٌ، إِلاَّ أَهْلُ بَیْتی، فَضَنِنْتُ بِهِمْ عَنِ الْمَوْتِ [ وَ ] الْمَنِیَّةِ. وَ لَوْ كَانَ لی بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ عَمّی حَمْزَةٌ وَ أَخی جَعْفَرُ لَمْ أُبَایِعْ كُرْهاً، وَ لكِنّی بُلیتُ بِرَجُلَیْنِ حَدیثَیْ عَهْدٍ بِالإِسْلاَمِ: الْعَبَّاسِ وَ عَقیلٍ[95]. فَأَغْضَیْتُ عَیْنی[96] عَلَی الْقَذی، وَ جَرِعْتُ[97] ریقی[98] عَلَی الشَّجَا، وَ صَبَرْتُ مِنْ كَظْمِ الْغَیْظِ عَلی أَمَرَّ مِنَ طَعْمِ الْعَلْقَمِ، وَ آلَمَ لِلْقَلْبِ مِنْ وَخْزِ[99] الشِّفَارِ، وَ[100] أَخْذِ الْكَظَمِ. وَ أَمَّا أَمْرُ عُثْمَانَ فَكَأَنَّهُ عِلْمٌ مِنَ الْقُرُونِ الأُولی عِلْمُهَا عِنْدَ رَبّی فی كِتَابٍ لاَ یَضِلُّ رَبّی وَ لاَ [صفحه 882] یَنْسی[101]. خَذَلَهُ أَهْلُ بَدْرٍ، وَ قَتَلَهُ أَهْلُ مِصْرَ. وَ اللَّهِ مَا أَمَرْتُ بِهِ وَ لاَ نَهَیْتُ عَنْهُ، وَ[102] لَوْ أَنَّنی[103] أَمَرْتُ بِهِ لَكُنْتُ قَاتِلاً، أَوْ أَنّی[104] نَهَیْتُ عَنْهُ لَكُنْتُ نَاصِراً، وَ كَانَ الأَمْرُ لاَ یَنْفَعُ فیهِ الْعَیَانُ، وَ لاَ یُشْفی مِنْهُ الْخَبَرُ[105]. غَیْرَ أَنَّ مَنْ نَصَرَهُ لاَ یَسْتَطیعُ أَنْ یَقُولَ: خَذَلَهُ مَنْ أَنَا خَیْرٌ مِنْهُ، وَ مَنْ خَذَلَهُ لاَ یَسْتَطیعُ أَنْ یَقُولَ: نَصَرَهُ مَنْ هُوَ خَیْرٌ مِنّی. وَ أَنَا جَامِعٌ لَكُمْ أَمْرَهُ: إِسْتَأْثَرَ عُثْمَانُ[106] فَأَسَاءَ الأَثَرَةَ، وَ جَزِعْتُمْ فَأَسَأْتُمُ[107] الْجَزَعَ، وَ للَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ[108] حُكْمٌ وَاقِعٌ فِی الْمُسْتَأْثِرِ وَ الْجَازِعِ. وَ اللَّهِ مَا یَلْزَمُنی فی دَمِ عُثْمَانَ تُهْمَةٌ، مَا كُنْتُ إِلاَّ رَجُلاً مِنَ الْمُسْلِمینَ الْمُهَاجِرینَ فی بَیْتی، فَلَمَّا نَقَمْتُمْ عَلَیْهِ أَتَیْتُمُوهُ فَ[109] قَتَلْتُمُوهُ، ثُمَّ جِئْتُمُونی رَاغِبینَ إِلَیَّ فی أَمْرِكُمْ، حَتَّی اسْتَخْرَجْتُمُونی مِنْ مَنْزِلی[110] لِتُبَایِعُونی. فَأَبَیْتُ عَلَیْكُمْ وَ أَبَیْتُمْ عَلَیَّ، وَ أَمْسَكْتُ یَدِیَ فَنَازَعْتُمُونی وَ دَافَعْتُمُونی[111]، وَ بَسَطْتُمْ یَدِیَ [صفحه 883] فَكَفَفْتُهَا، وَ مَدَدْتُمُوهَا فَقَبَضْتُهَا. فَالْتَوَیْتُ عَلَیْكُمْ لأَبْلُوَ مَا عِنْدَكُمْ، فَرَادَدْتُمُونِیَ الْقَوْلَ مِرَاراً وَ رَادَدْتُكُمْ[112]. ثُمَّ تَدَاكَكْتُمْ عَلَیَّ تَدَاكَّ الإِبِلِ الْهیمِ عَلی حِیَاضِهَا یَوْمَ وِرْدِهَا[113]، وَ قَدْ أَرْسَلَهَا رَاعیهَا، وَ خُلِعَتْ مَثَانیهَا، حِرْصاً عَلی بَیْعَتی[114]، حَتَّی انْقَطَعَتِ النَّعْلُ، وَ سَقَطَ الرِّدَاءُ، وَ وُطِئَ الضَعیفُ. وَ ازْدَحَمْتُمْ عَلَیَّ[115] حَتَّی ظَنَنْتُ أَنَّكُمْ قَاتِلی أَوْ أَنَّ بَعْضَكُمْ قَاتِلُ بَعْضٍ لَدَیَّ، فَقُلْتُمْ: بَایِعْنَا، فَإِنَّا لاَ نَجِدُ غَیْرَكَ، وَ لاَ نَرْضی إِلاَّ بِكَ، بَایِعْنَا، لاَ نَفْتَرِقُ وَ لاَ تَخْتَلِفُ كَلِمَتُنَا. فَلَمَّا رَأَیْتُ ذَلِكَ مِنْكُمْ رَوَیْتُ فی أَمْری وَ أَمْرِكُمْ، وَ قُلْتُ: إِنْ أَنَا لَمْ أُجِبْهُمْ إِلَی الْقِیَامِ بِأَمْرِهِمْ لَمْ یُصیبُوا أَحَداً یَقُومُ فیهِمْ مَقَامی، وَ یَعْدِلُ فیهِمْ عَدْلی. وَ قُلْتُ: وَ اللَّهِ لأَلِیَنَّهُمْ وَ هُمْ یَعْرِفُونَ حَقّی وَ فَضْلی أَحَبُّ إِلَیَّ مِنْ أَنْ یَلُونی وَ هُمْ لاَ یَعْرِفُونَ حَقّی وَ فَضْلی. فَبَایَعْتُمُونی، یَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمینَ، عَلی كِتَابِ اللَّهِ وَ سُنَّةِ نَبِیِّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ فیكُمُ الْمُهَاجِرُونَ وَ الأَنْصَارُ وَ التَّابِعُونَ بِإِحْسَانٍ[116]. وَ بَلَغَ مِنْ سُرُورِ النَّاسِ بِبَیْعَتِهِمْ إِیَّایَ أَنِ ابْتَهَجَ بِهَا الصَّغیرُ، وَ هَدَجَ إِلَیْهَا الْكَبیرُ، وَ تَحَامَلَ نَحْوَهَا الْعَلیلُ، وَ حَسَرَتْ إِلَیْهَا[117] الْكِعَابُ. فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ بَایَعَنی طَلْحَةُ وَ الزُّبَیْرُ، فَقَالاَ:[118] نُبَایِعُكَ عَلی أَنَّا شُرَكَاؤُكَ فی هذَا الأَمْرِ. [صفحه 884] فَقُلْتُ:[119] لاَ، وَ لكِنَّكُمَا شَریكَانِ[120] فِی الْقُوَّةِ وَ الاِسْتِعَانَةِ[121]، وَ عَوْنَانِ[122] عَلَی الْعَجْزِ وَ الأَوَدِ. فَبَایَعَانی عَلی هذَا الأَمْرِ، وَ لَوْ أَبَیَا مَا أَكْرَهْتُهُمَا، كَمَا لَمْ أُكْرِهْ غَیْرَهُمَا. وَ كَانَ طَلْحَةُ یَرْجُو الْیَمَنَ، وَ الزُّبَیْرُ یَرْجُو الْعِرَاقَ، فَلَمَّا عَلِمَا أَنّی غَیْرُ مُوَلِّیهِمَا لَمْ یَلْبَثَا إِلاَّ یَسیراً حَتَّی اسْتَأْذَنَانی لِلْعُمْرَةِ وَ هُمَا یُریدَانِ الْغَدْرَةَ، فَأَتَیَا عَائِشَةَ وَ اسْتَخَفَّاهَا مَعَ شَیْ ءٍ كَانَ فی نَفْسِهَا عَلَیَّ[123]. مَعَاشِرَ النَّاسِ، إِنَّ النِّسَاءَ نَوَاقِصُ الإیمَانِ. نَوَاقِصُ الْعُقُولِ. نَوَاقِصُ الحُظُوظِ. فَأَمَّا نُقْصَانُ إیمَانِهِنَّ، فَقُعُودُهُنَّ عَنِ الصَّلاَةِ وَ الصِّیَامِ فی أَیَّامِ حَیْضِهِنَّ[124]. وَ أَمَّا نُقْصَانُ عُقُولِهِنَّ، فَلاَ شَهَادَةَ لَهُنَّ إِلاَّ فِی الدَّیْنِ، وَ[125] شَهَادَةُ امْرَأَتَیْنِ مِنْهُنَّ كَشَهَادَةِ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ. وَ أَمَّا نُقْصَانُ حُظُوظِهِنَّ، فَمَوَاریثُهُنَّ عَلَی الأَنْصَافِ مِنْ مَوَاریثِ الرِّجَالِ. فَاتَّقُوا شِرَارَ النَّسَاءِ وَ كُونُوا مِنْ خِیَارِهِنَّ عَلی حَذَرٍ. وَ لاَ تُطیعُوهُنَّ فِی الْمَعْرُوفِ حَتَّی لاَ یَطْمَعْنَ فِی الْمُنْكَرِ. [ وَ ] لاَ تُطْلِعُوهُنَّ عَلی حَالٍ، وَ لاَ تَأْمَنُوهُنَّ عَلی مَالٍ، وَ لاَ تَذَرُوهُنَّ إِلاَّ لِتَدْبیرِ الْعِیَالِ[126]. فَإِنَّهُنَّ إِنْ تُرِكْنَ وَ مَا یُرِدْنَ أَوْرَدْنَ الْمَهَالِكَ، وَ أَفْسَدْنَ الْمَمَالِكَ[127]. [صفحه 885] فَإِنَّا وَجَدْنَاهُنَّ لاَ وَرَعَ لَهُنَّ عِنْدَ حَاجَتِهِنَّ، وَ لاَ صَبْرَ لَهُنَّ عِنْدَ شَهْوَتِهِنَّ. اَلْبَذْخُ لَهُنَّ لاَزِمٌ وَ إِنْ كَبُرْنَ، وَ الْعُجْبُ لَهُنَّ لاَحِقٌ وَ إِنْ عَجُزْنَ. رِضَاهُنَّ فی فُرُوجِهِنَّ. لاَ یَشْكُرْنَ الْكَثیرَ إِذَا مُنِعْنَ الْقَلیلَ. یَنْسَیْنَ الْخَیْرَ، وَ یَحْفَظْنَ الشَّرَّ. یَتَهَافَتْنَ فِی الْبُهْتَانِ، وَ یَتَمَادَیْنَ فِی الطُّغْیَانِ، وَ یَتَصَیَّدْنَ لِلشَّیْطَانِ. فَدَارُوهُنَّ عَلی كُلِّ حَالٍ، وَ أَحْسِنُوا لَهُنَّ الْمَقَالَ، لَعَلَّهُنَّ یُحْسِنَّ الْفِعَالَ. وَ قَادَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ إِلَی الْبَصْرَةِ، وَ ضَمِنَ لَهُمَا الأَمْوَالَ وَ الرِّجَالَ[128]. فَخَرَجُوا یَجُرُّونَ حُرْمَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ كَمَا تُجَرُّ الأَمَةُ عِنْدَ شِرَائِهَا، مُتَوَجِّهینَ بِهَا إِلَی الْبَصْرَةِ. فَبَیْنَاهُمَا یَقُودَانِهَا إِذْ هِیَ تَقُودُهُمَا. فَاتَّخَذَاهَا دَریئَةً یُقَاتِلاَنِ بِهَا[129]. فَأَیُّ خَطیئَةٍ أَعْظَمُ مِمَّا أَتَیَا[130]، حَبَسَا نِسَاءَهُمَا[131] فی بُیُوتِهِمَا، وَ أَبْرَزَا حَبیسَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ لَهُمَا وَ لِغَیْرِهِمَا مِنْ بَیْتِهَا، فَكَشَفَا عَنْهَا حِجَاباً سَتَرَهُ اللَّهُ جَلَّ اسْمُهُ عَلَیْهَا، وَ مَا أَنْصَفَا اللَّهَ وَ لاَ رَسُولَهُ مِنْ أَنْفُسِهِمَا. فَأَصَابُوا ثَلاَثاً بِثَلاَثِ خِصَالٍ مَرْجِعُهَا عَلَی النَّاسِ فی كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ: اَلْبَغْیُ، وَ النَّكْثُ وَ الْمَكْرُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالی: یَا أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْیُكُمْ عَلی أَنْفُسِكُمْ[132]. [صفحه 886] وَ قَالَ: وَ مَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا یَنْكُثُ عَلی نَفْسِهِ[133]. وَ قَالَ: وَ لاَ یَحیقُ الْمَكْرُ السَّیِ ءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ[134]. فَقَدْ، وَ اللَّهِ، بَغَیَا عَلَیَّ، وَ نَكَثَا بَیْعَتی، وَ مَكَرَا بی. [ أَیُّهَا النَّاسُ، ] إِنّی مُنیتُ بِأَطْوَعِ النَّاسِ فِی النَّاسِ عَائِشَةَ بِنْتِ أَبی بَكْرٍ، وَ بِأَشْجَعِ النَّاسِ الزُّبَیْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، وَ بِأَخْصَمِ النَّاسِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَیْدِ اللَّهِ. وَ أَعَانَهُمُ عَلَیَّ یَعْلَی بْنُ أُمَیَّةَ[135] التَّمیمِیُّ بِأَصْوُعِ الدَّنَانیرِ. وَ اللَّهِ لَئِنِ اسْتَقَامَ أَمْری لأَجْعَلَنَّ مَالَهُ فَیْئاً لِلْمُسُلِمینَ. ثُمَّ أَتَوُا الْبَصْرَةَ[136] فی جَیْشٍ مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلاَّ وَ قَدْ أَعْطَانِیَ الطَّاعَةَ، وَ سَمَحَ لی بِالْبَیْعَةِ، طَائِعاً غَیْرَ مُكْرَهٍ، فَقَدِمُوا عَلی عُمَّالی[137] بِهَا، وَ خُزَّانِ بَیْتِ مَالِ الْمُسْلِمینَ الَّذی فی یَدِی، وَ عَلی غَیْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ مِصْرِی[138] الَّذینَ[139] كُلُّهُمْ مُجْتَمِعُونَ[140] فی طَاعَتی وَ عَلی بَیْعَتی، وَ بِهَا شیعَتی، فَدَعَوُا النَّاسَ إِلی مَعْصِیَتی، وَ إِلی نَقْضِ بَیْعَتی وَ طَاعَتی، فَمَنْ أَطَاعَهُمْ أَكْفَرُوهُ، وَ مَنْ عَصَاهُمْ قَتَلُوهُ[141]. فَشَتَّتُوا كَلِمَتَهُمْ، وَ أَفْسَدُوا عَلَیَّ جَمَاعَتَهُمْ، فَنَاجَزَهُمْ[142] حُكَیْمُ بْنُ جَبَلَةَ الْعَبْدِیُّ، فَقَتَلُوهُ فی سَبْعینَ رَجُلاً مِنْ عُبَّادِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَ مُخْبِتیهِمْ یُسَمَّوْنَ الْمُثَفَّنینَ، كَأَنَّ رَاحَ أَكُفِّهِمْ [ وَ جَبَهَاتِهِمْ ] ثَفِنَاتُ الإِبِلِ. وَ أَبی أَنْ یُبَایِعَهُمْ یَزیدُ بْنُ الْحَارثِ الْیَشْكُرِیُّ، وَ هُوَ شَیْخُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ یَوْمَئِذٍ، فَقَالَ: اتَّقِیَا اللَّهَ، [صفحه 887] إِنَّ أَوَّلَكُمْ قَادَنَا إِلَی الْجَنَّةِ، فَلاَ یَقُودُنَا آخِرُكُمْ إِلَی النَّارِ، فَلاَ تُكَلِّفُونَا أَنْ نُصَدِّقَ الْمُدَّعِیَ، وَ نَقْضِیَ عَلَی الْغَائِبِ. أَمَّا یَمینی فَقَدَ شَغَلَهَا عَلِیُّ بْنُ أَبی طَالِبٍ بِبَیْعَتی إِیَّاهُ، وَ أَمَّا شِمَالی فَهذِهِ خُذَاهَا فَارِغَةٌ إِنْ شِئْتُمَا. فَخُنِقَ حَتَّی مَاتَ رَحِمَهُ اللَّهُ. وَ قَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَكیمِ التَّمیمی فَقَالَ: یَا طَلْحَةُ، هَلْ تَعْرِفُ هذَا الْكِتَابَ ؟. قَالَ: نَعَمْ. هذَا كِتَابی إِلَیْكَ. قَالَ: هَلْ تَدْری مَا فیهِ ؟. قَالَ: اقْرَأْهُ عَلَیَّ. فَقَرَأَ، فَإِذَا فیهِ عَیْبُ عُثْمَانَ، وَ دُعَاؤُهُ إِلی قَتْلِهِ. فَسَیَّرُوهُ مِنَ الْبَصْرَةِ. فَقَامَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَیْنِ الْخُزَاعِیُّ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ، وَ هُوَ الَّذی جَاءَتْ فیهِ الأَحَادیثُ، وَ قَالَ: یَا هذَانِ، لاَ تُخْرِجَانَا بِبَیْعَتِكُمَا مِنْ طَاعَةِ عَلِیٍّ وَ لاَ تَحْمِلاَنَا عَلی نَقْضِ بَیْعَتِهِ، فَإِنَّهَا للَّهِ رِضی. أَمَا وَسِعَتْكُمَا بُیُوتُكُمَا حَتَّی أَتَیْتُمَا بِأُمِّ الْمُؤْمِنینَ ؟. فَالْعَجَبُ لاخْتَلاَفِهَا إِیَّاكُمَا، وَ مَسیرِهَا مَعَكُمَا. فَكُفَّا عَنَّا أَنْفُسَكُمَا وَ ارْجِعَا مِنْ حَیْثُ جِئْتُمَا، فَلَسْنَا عَبیدَ مَنْ غَلَبَ، وَ لاَ أَوَّلَ مَنْ سَبَقَ. فَهَمَّا بِهِ ثُمَّ كَفَّا عَنْهُ. ثُمَّ أَخَذُوا عَامِلی عُثْمَانَ بْنَ حُنَیْفَ أَمیرَ الأَنْصَارِ غَدْراً، فَمَثَّلُوا بِهِ كُلَّ الْمُثْلَةِ، وَ نَتَفُوا كُلَّ شَعْرَةٍ فی رَأْسِهِ وَ وَجْهِهِ[143]. وَ وَثَبُوا[144] عَلی شیعَتی مِنَ الْمُسْلِمینَ[145]، فَقَتَلُوا طَائِفَةً مِنْهُمْ[146] صَبْراً، وَ طَائِفَةً مِنْهُمْ [صفحه 888] غَدْراً، وَ طَائِفَةٌ غَضِبُوا للَّهِ وَلی فَ[147] عَضُّوا عَلی أَسْیَافِهِمْ[148] فَضَارَبُوا[149] بِهَا حَتَّی لَقُوا اللَّهَ صَادِقینَ. فَوَ اللَّهِ لَوْ لَمْ یُصیبُوا[150] مِنَ الْمُسْلِمینَ إِلاَّ رَجُلاً وَاحِداً مُتَعَمِّدینَ[151] لِقَتْلِهِ، بِلاَ جُرْمٍ جَرَّهُ، لَحَلَّ لی قِتَالُهُمْ وَ[152] قَتْلُ ذَلِكَ الْجَیْشِ كُلِّهِ، لِرِضَاهُمْ بِقَتْلِ مَنْ قُتِلَ[153]، إِذْ حَضَرُوهُ فَلَمْ یُنْكِرُوا، وَ لَمْ یَدْفَعُوا عَنْهُ بِلِسَانٍ وَ لاَ بِیَدٍ. دَعْ مَا إِنَّهُمْ قَدْ قَتَلُوا مِنَ الْمُسْلِمینَ مِثْلَ[154] الْعِدَّةِ الَّتی دَخَلُوا بِهَا عَلَیْهِمْ. وَ قَدْ أَدَال اللَّهُ مِنْهُمْ، فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمینَ. فَأَمَّا طَلْحَةُ فَرَمَاهُ مَرْوَانُ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ. وَ أَمَّا الزُّبَیْرُ فَذَكَّرْتُهُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: إِنَّكَ تُقَاتِلُ عَلِیّاً وَ أَنْتَ ظَالِمٌ لَهُ. فَرَجَعَ مِنَ الْحَرْبِ عَلی عَقِبِهِ. وَ أَمَّا عَائِشَةُ فَإِنَّهَا كَانَت نَهَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ عَنْ مَسیرِهَا، فَعَضَّتْ یَدَیْهَا نَادِمَةً عَلی مَا كَانَ مِنْهَا. وَ قَدْ كَانَ طَلْحَةُ لَمَّا نَزَلَ « ذَاقَارٍ » قَامَ خَطیباً فَقَالَ: أَیُّهَا النَّاسُ، إِنَّا أَخْطَأْنَا فی عُثْمَانَ خَطیئَةً مَا یُخْرِجُنَا مِنْهَا إِلاَّ الطَّلَبُ بِدَمِهِ، وَ عَلِیٌّ قَاتِلُهُ وَ عَلَیْهِ دَمُهُ. وَ قَدْ نَزَلَ دَاراً مَعَ شُكَّاكِ الْیَمَنِ وَ نَصَاری رَبیعَةَ وَ مُنَافِقی مُضَرَ. فَلَمَّا بَلَغَنی قَوْلُهُ وَ قَوْلٌ كَانَ عَنِ الزُّبَیْرِ قَبیحٌ، كَتَبْتُ إِلَیْهِمَا أُنَاشِدُهُمَا بِحَقِّ مُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ، أَمَا أَتَیْتُمَانی وَ أَهْلُ مِصْرَ مُحَاصِرُو عُثْمَانَ، فَقُلْتُمَا: اذْهَبْ بِنَا إِلی هذَا الرَّجُلِ فَإِنَّا [صفحه 889] لاَ نَسْتَطیعُ قَتْلَهُ إِلاَّ بِكَ، لِمَا تَعْلَمُ أَنَّهُ سَیَّرَ أَبَا ذَرٍّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، وَ فَتَقَ عَمَّاراً، وَ آوَی الْحَكَمَ بْنَ أَبِی الْعَاصِ، وَ قَدْ طَرَدَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ، وَ اسْتَعْمَلَ الْفَاسِقَ عَلی كِتَابِ اللَّهِ الْوَلیدَ بْنَ عُقْبَةَ بْنِ أَبی مُعَیْطٍ، وَ سَلَّطَ خَالِدَ بْنَ عُرْفُطَةَ الْعُذْرِیَّ عَلی كِتَابِ اللَّهِ یُمَزِّقُهُ وَ یُحْرِقُهُ ؟. فَقُلْتُ: كُلُّ هذَا قَدْ عَلِمْتُ، وَ لاَ أَری قَتْلَهُ یَوْمی هذَا، وَ أَوْشَكَ سِقَاؤُهُ أَنْ یُخْرِجَ الْمَخْضَ زُبْدَتَهُ. فَأَقَرَّا بِمَا قُلْتُ. وَ أَمَّا قَوْلُكُمَا: إِنَّكُمَا تَطْلُبَانِ بِدَمِ عُثْمَانَ، فَهذَانِ ابْنَاهُ عَمْروٌ وَ سَعیدٌ، فَخَلُّوا عَنْهُمَا یَطْلُبَانِ دَمَ أَبیهِمَا. وَ مَتی كَانَتْ أَسَدٌ وَ تَیْمٌ أَوْلِیَاءُ دَمِ بَنی أُمَیَّةَ ؟. فَانْقَطَعَا عِنْدَ ذَلِكَ. وَ كَانَتْ عَائِشَةُ قَدْ شَكَّتْ فی مَسیرِهَا وَ تَعَاظَمَتِ الْقِتَالَ، فَدَعَتْ كَاتِبَهَا عُبَیْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبِ النُمَیْرِیَّ فَقَالَتِ: اكْتُبْ، مِنْ عَائِشَةَ بِنْتِ أَبی بَكْرٍ إِلی عَلِیِّ بْنِ أَبی طَالِبٍ. فَقَالَ: هذَا أَمْرٌ لاَ یَجْری بِهِ الْقَلَمُ. قَالَتْ: وَ لِمَ ؟. قَالَ: لأَنَّ عَلِیَّ بْنَ أَبی طَالِبٍ فِی الإِسْلاَمِ أَوَّلٌ، وَ لَهُ بِذَلِكَ الْبَدْءُ فِی الْكِتَابِ. فَقَالَتِ: اكْتُبْ: إِلی عَلِیِّ بْنِ أَبی طَالِبٍ مِنْ عَائِشَةَ بِنْتِ أَبی بَكْرٍ. أَمَّا بَعْدُ، فَإِنّی لَسْتُ أَجْهَلُ قَرَابَتَكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ، وَ لاَ قِدَمَكَ فِی الإِسْلاَمِ، وَ لاَ عَنَاءَكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ، وَ إِنَّمَا خَرَجْتُ مُصْلِحَةً بَیْنَ بَنِیَّ، لاَ أُریدُ حَرْبَكَ إِنْ كَفَفْتَ عَنْ هذَیْنِ الرَّجُلَیْنِ. فی كَلاَمٍ لَهَا كَثیرٍ. فَلَمْ أُجِبْهَا بِحَرْفٍ، وَ أَخَّرْتُ جَوَابَهَا لِقِتَالِهَا. فَلَمَّا قَضَی اللَّهُ لی بِالْحُسْنی سِرْتُ إِلَی الْكُوفَةِ، وَ اسْتَخْلَفْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَلَی الْبَصْرَةِ. فَقَدِمْتُ إِلَی الْكُوفَةِ وَ قَدِ اتَّسَقَتْ لِیَ الْوُجُوهُ كُلُّهَا إِلاَّ الشَّامَ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَّخِذَ الْحُجَّةَ، وَ أُفْضِیَ الْعُذْرَ، وَ أَخَذْتُ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالی: وَ إِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِیَانَةً فَانْبِذْ إِلَیْهِمْ عَلی سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لاَ یُحِبُّ الْخَائِنینَ[155]. فَبَعَثْتُ جُرَیْرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ إِلی مُعَاوِیَةَ مُعْذِراً إِلَیْهِ، مُتَّخِذاً لِلْحُجَّةِ عَلَیْهِ. [صفحه 890] فَرَدَّ كِتَابی، وَ جَحَدَ حَقّی، وَ دَفَعَ بَیْعَتی، وَ بَعَثَ إِلَیَّ أَنِ ابْعَثْ إِلَیَّ قَتَلَةَ عُثْمَانَ. فَبَعَثْتُ إِلَیْهِ: مَا أَنْتَ وَ قَتَلَةَ عُثْمَانَ، أَوْلاَدُهُ أَوْلی بِهِ. فَادْخُلْ أَنْتَ وَ هُمْ فی طَاعَتی، ثُمَّ خَاصِمِ الْقَوْمَ، لأَحْمِلَكُمْ وَ إِیَّاهُمْ عَلی كِتَابِ اللَّهِ، وَ إِلاَّ فَهذِهِ خُدْعَةُ الصَّبِیِّ عَنْ رِضَاعِ الْمَلِیِّ. فَلَمَّا یَئِسَ مِنْ هذَا الأَمْرِ بَعَثَ إِلَیَّ أَنِ اجْعَلِ الشَّامَ لی حَیَاتَكَ، فَإِنْ حَدَثَ بِكَ حَادِثٌ مِنَ الْمَوْتِ لَمْ یَكُنْ لأَحَدٍ عَلَیَّ طَاعَةٌ. وَ إِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ أَنْ یَخْلَعَ طَاعَتی مِنْ عُنُقِهِ، فَأَبَیْتُ عَلَیْهِ. فَبَعَثَ إِلَیَّ: أَنَّ أَهْلَ الْحِجَازِ كَانُوا الْحُكَّامَ عَلی أَهْلِ الشَّامِ، فَلَمَّا قَتَلُوا عُثْمَانَ صَارَ أَهْلُ الشَّامِ الْحُكَّامَ عَلی أَهْلِ الْحِجَازِ. فَبَعَثْتُ إِلَیْهِ: إِنْ كُنْتَ صَادِقاً فَسَمِّ لی رَجُلاً مِنْ قُرَیْشِ الشَّامِ تَحِلُّ لَهُ الْخِلاَفَةُ وَ یُقْبَلُ فِی الشُّوری، فَإِنْ لَمْ تَجِدْهُ سَمَّیْتُ لَكَ مِنْ قُرَیْشِ الْحِجَازِ مَنْ یَحِلُّ لَهُ الْخِلاَفَةُ، وَ یُقْبَلُ فِی الشُّوری. ثُمَّ إِنّی نَظَرْتُ فی أَمْرِ أَهْلِ الشَّامِ، فَإِذَا هُمْ حُثَالَةُ أَعْرَابٍ وَ بَقِیَّةُ أَحْزَابٍ، فَرَاشُ نَارٍ، وَ ذُبَابُ طَمَعٍ، جُفَاةٌ طُغَاةٌ تَجَمَّعُوا مِنْ كُلِّ أَوْبٍ، مِمَّنْ كَانَ یَنْبَغی أَنْ یُؤَدَّبَ وَ یُحْمَلَ عَلَی السُّنَّةِ، أَوْ أَنْ یُوَلَّی عَلَیْهِ وَ یُؤْخَذَ عَلی یَدَیْهِ. لَیْسُوا مِنَ الْمُهَاجِرینَ وَ لاَ الأَنْصَارِ وَ لاَ مِنَ التَّابِعینَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ. فَسِرْتُ إِلَیْهِمْ وَ دَعَوْتُهُمْ إِلَی الطَّاعَةِ وَ الْجَمَاعَةِ، فَأَبَوْا إِلاَّ فِرَاقاً وَ شِقَاقاً. ثُمَّ نَهَضُوا فی وُجُوهِ الْمُهَاجِرینَ وَ الأَنْصَارِ وَ التَّابِعینَ[156] یَنْضَحُونَهُمْ بِالنَّبْلِ، وَ یَشْجُرُونَهُمْ بِالرِّمَاحِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ نَهَضْتُ[157] إِلَیْهِمْ بِالْمُسْلِمینَ فَقَاتَلْتُهُمْ. فَلَمَّا عَضَّهُمُ السِّلاَحُ، وَ خَافَ عَدُوُّكُمُ الاِجْتِیَاحَ، وَ اسْتَحَرَّ بِهِمُ الْقَتْلُ، وَ وَجَدُوا أَلَمَ الْجِرَاحِ، رَفَعُوا الْمَصَاحِفَ یَدْعُونَكُمْ إِلی مَا فیهَا لِیَفْتَؤُوكُمْ عَنْهُمْ، وَ یَقْطَعُوا الْحَرْبَ فیمَا بَیْنَكُمْ وَ بَیْنَهُمْ، وَ یَتَرَبَّصُوا بِكُمْ رَیْبَ الْمَنُونَ. [صفحه 891] فَأَنْبَأْتُكُمْ أَنَّهُمْ لَیْسُوا بِأَهْلِ دینٍ وَ لاَ أَصْحَابِ قُرْآنٍ، وَ أَنَّهُمْ إِنَّمَا رَفَعُوهَا لَكُمْ غَدْراً وَ مَكیدَةً وَ خَدیعَةً وَ وَهْناً وَ ضَعْفاً، فَامْضُوا، عِبَادَ اللَّهِ، عَلی حَقِّكُمْ وَ صِدْقِكُمْ لِقِتَالِهِمْ. فَأَبَیْتُمْ عَلَیَّ وَ اتَّهَمْتُمُونی، وَ قُلْتُمُ: اقْبَلْ مِنْهُمْ، وَ اكْفُفْ عَنْهُمْ، فَإِنَّهُمْ إِنْ أَجَابُوا إِلی مَا فِی الْقُرْآنِ جَامَعُونَا عَلی مَا نَحْنُ عَلَیْهِ مِنَ الْحَقِّ، وَ إِنْ أَبَوْا كَانَ أَعْظَمَ لِحُجَّتِنَا عَلَیْهِمْ. فَقَبِلْتُ مِنْكُمْ، وَ كَفَفْتُ عَنْهُمْ، إِذْ وَنَیْتُمْ وَ أَبَیْتُمْ. فَكَانَ الصُّلْحُ بَیْنَكُمْ وَ بَیْنَهُمْ عَلی رَجُلَیْنِ حَكَمَیْنِ لِیُحْیِیَا مَا أَحْیَاهُ الْقُرْآنُ، وَ یُمیتَا مَا أَمَاتَهُ الْقُرْآنُ. فَاخْتَلَفَ رَأْیُهُمَا، وَ تَفَرَّقَ حُكْمُهُمَا، وَ نَبَذَا مَا فِی الْكِتَابِ، وَ خَالَفَا مَا فِی الْقُرْآنِ، وَ اتَّبَعَا هَوَاهُمَا بِغَیْرِ هُدیً مِنَ اللَّهِ، فَجَنَّبَهُمَا اللَّهُ السَّدَادَ، وَ أَهْوی بِهِمَا فی غَمْرَةِ[158] الضَّلاَلِ، وَ كَانَا أَهْلَ ذَلِكَ. ثُمَّ إِنَّ طَائِفَةً مِنَّا اعْتَزَلَتْ[159] فَتَرَكْنَاهُمْ مَا تَرَكُونَا، حَتَّی إِذَا عَاثُوا فِی الأَرْضِ مُفْسِدینَ یَقْتَلُونَ الْمُؤْمِنینَ، وَ كَانَ فیمَنْ قَتَلُوهُ أَهْلَ مِیَرَةٍ مِنْ بَنی أَسَدٍ، وَ قَتَلُوا خَبَّاباً وَ ابْنَهُ وَ أُمَّ وَلَدِهِ وَ الْحَارِثَ بْنِ مُرَّةِ الْعَبْدِیِّ. فَبَعَثْتُ إِلَیْهِمْ دَاعِیاً، فَقُلْتُ لَهُمُ: ادْفَعُوا إِلَیْنَا قَتَلَةَ إِخْوَانِنَا، ثُمَّ كِتَابُ اللَّهِ بَیْنَنَا وَ بَیْنَكُمْ. فَقَالُوا: كُلُّنَا قَتَلْنَاهُمْ، وَ كُلُّنَا اسْتَحَلَلْنَا دِمَاءَهُمْ وَ دِمَاءَكُمْ، ثُمَّ شَدَّتْ عَلَیْنَا خَیْلُهُمْ وَ رِجَالُهُمْ، فَصَرَعَهُمُ اللَّهُ مَصَارِعَ الْقَوْمِ الظَّالِمینَ. فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ مِنْ شَأْنِهِمْ، أَمَرْتُكُمْ أَنْ تَمْضُوا مِنْ فَوْرِكُمْ ذَلِكَ إِلی عَدُوِّكُمْ، فَإِنَّهُ أَفْزَعُ لِقُلُوبِهِمْ، وَ أَنْهَكُ لِمَكْرِهِمْ، وَ أَهْتَكُ لِكَیْدِهِمْ. فَقُلْتُمْ: كَلَّتْ سُیُوفُنَا، وَ نَفَدَتْ نِبَالُنَا، وَ نَصَلَتْ أَسِنَّةُ رِمَاحِنَا، وَ عَادَ أَكْثَرُهَا قِصْداً، فَارْجِعْ بِنَا إِلی مِصْرِنَا لِنَسْتَعِدَّ بِأَحْسَنِ عُدَّتِنَا، وَ إِذَا رَجَعْتَ زِدْتَ فی مُقَاتِلَتِنَا عِدَّةَ مَنْ قُتِلَ مِنَّا وَ مَنْ قَدْ فَارَقَنَا، فَإِنَّ ذَلِكَ أَقْوی لَنَا عَلی عَدُوِّنَا. فَأَقْبَلْتُ بِكُمْ حَتَّی إِذَا أَطْلَلْتُمْ عَلَی الْكُوفَةِ أَمَرْتُكُمْ أَنْ تَنْزِلُوا بِالنُّخَیْلَةِ، وَ أَنْ تَلْزَمُوا مُعَسْكَرَكُمْ، وَ أَنْ تَضُمُّوا إِلَیْهِ قَوَاصیكُمْ، وَ أَنْ تُوَطِّنُوا عَلَی الْجِهَادِ أَنْفُسَكُمْ، وَ لاَ تُكْثِرُوا زِیَارَةَ أَبْنَائِكُمْ وَ نِسَائِكُمْ، [صفحه 892] فَإِنَّ ذَلِكَ یُرِقُّ قُلُوبَكُمْ وَ یَلْویكُمْ. وَ إِنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ الُمُصَابِرُونَ، وَ أَهْلَ التَّشمیرِ فیهَا الَّذینَ لاَ یَتَوَجَّدُونَ وَ لاَ یَتَوَجَّعُونَ، وَ لاَ یَسْأَمُونَ مِنْ سَهَرِ لَیْلِهِمْ، وَ لاَ ظَمَأِ نَهَارِهِمْ، وَ لاَ مِنْ خَمْصِ بُطُونِهِمْ، وَ لاَ نَصَبِ أَبْدَانِهِمْ، وَ لاَ فُقْدَانِ أَوْلاَدِهِمْ وَ نِسَائِهِمْ، حَتَّی یُدْرِكُوا بِثَأْرِهِمْ، وَ یَنَالُوا بُغْیَتَهُمْ وَ مَطْلَبَهُمْ. فَأَقَامَتْ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ مَعِیَ مُعَذِّرَةً، وَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ دَخَلَتِ الْمِصْرَ عَاصِیَةً، فَلاَ الَّذی أَقَامَ مِنْكُمْ ثَبَتَ مَعِیَ وَ صَبَرَ، وَ لاَ مَنْ دَخَلَ الْمِصْرَ عَادَ إِلَیَّ وَ رَجَعَ. وَ لَقَدْ أَتَیْتُنی وَ نَظَرْتُ إِلی مُعَسْكَری وَ لَیْسَ فیهِ مِنْكُمْ إِلاَّ خَمْسُونَ رَجُلاً. فَلَمَّا رَأَیْتُ مَا أَتَیْتُمْ، دَخَلْتُ إِلَیْكُمْ، فَمَا قُدِّرَ لَكُمْ أَنْ تَخْرُجُوا مَعِیَ إِلی یَوْمِكُمْ هذَا. فَمَا بَالُكُمْ. للَّهِ أَنْتُمْ مِنْ أَیْنَ تُؤْتَوْنَ ؟. [ وَ ] أَیْنَ تَذْهَبُونَ ؟. وَ مَا لَكُمْ أَنَّی تُؤْفَكُونَ ؟. وَ أَنَّی تُسْحَرُونَ ؟. وَ لَوْ أَنَّكُمْ عَزَمْتُمْ وَ أَجْمَعْتُمْ لَمْ تُرَامُوا. إِلاَّ أَنَّ الْقَوْمَ قَدْ جَدُّوا وَ تَآسَوْا، وَ اجْتَمَعُوا وَ تَنَاشَبُوا، وَ تَنَاصَرُوا، وَ تَنَاصَحُوا، وَ إِنَّكُمْ قَدْ وَنَیْتُمْ، وَ تَخَاذَلْتُمْ وَ تَغَاشَشْتُمْ وَ اقْتَرَفْتُمْ. مَا أَنْتُمْ إِنْ بَقیتُمْ عَلی ذَلِكَ بِمُنْقَذینَ. فَانْتَهُوا بِأَجْمَعِكُمْ عَمَّا نَهَیْتُكُمْ، [ وَ ] أَیْقِظُوا، رَحِمَكُمُ اللَّهُ، نَائِمَكُمْ، وَ أَجْمِعُوا عَلی حَقِّكُمْ، وَ تَجَرَّدُوا لِحَرْبِ عَدُوِّكُمْ، فَ[160] قَدْ أَبْدَتِ الرَّغْوَةُ عَنِ الصَّریخِ، وَ[161] أَضَاءَ الصُّبْحُ لِذی عَیْنَیْنِ. [صفحه 893] فَانْتَبِهُوا، إِنَّمَا أَنْتُمْ تُقَاتِلُونَ الطُّلَقَاءَ وَ أَبْنَاءَ الطُّلَقَاءِ، وَ أَهْلَ الْجَفَاءِ، وَ مَنْ أَسْلَمَ كَرْهاً، فَكَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ أَنِفاً، وَ لِلإِسْلاَمِ كُلِّهِ حَرْباً، أَعْدَاءَ اللَّهِ وَ السُّنَّةِ وَ الْقُرْآنِ، وَ أَهْلَ الْبِدَعِ وَ الإِحْدَاثِ، وَ مَنْ كَانَتْ بَوَائِقُهُ تُتَّقی، وَ كَانَ عَلَی الإِسْلاَمِ وَ أَهْلِهِ مَخُوفاً[162]. فَإِنَّ مِنْهُمُ الَّذی قَدْ شَرِبَ فیكُمُ الْخَمْرَ[163] الْحَرَامَ، وَ جُلِدَ حَدّاً فِی الإِسْلاَمِ، وَ كُلُّكُمْ یَعْرِفُهُ بِالْفَسَادِ فِی الدِّینِ وَ الْفِعْلِ السَّیِ ءِ[164]. وَ إِنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ یُسْلِمْ[165] حَتَّی رُضِخَتْ لَهُ عَلَی الإِسْلاَمِ الرَّضَائِخُ. وَ لَقَدْ أُنْهِیَ إِلَیَّ أَنَّ ابْنَ النَّابِغَةِ[166] لَمْ یُبَایِعْ مُعَاوِیَةَ[167] حَتَّی شَرَطَ عَلَیْهِ[168] أَنْ یُؤْتِیَهُ عَلَی الْبَیْعَةِ ثَمَناً هِیَ أَعْظَمُ مِمَّا فی یَدِهِ مِنْ سُلْطَانِهِ. أَلاَ[169] فَلاَ ظَفِرَتْ یَدُ الْبَائِعِ[170] دینَهُ بِالدُّنْیَا[171]، وَ خَزِیَتْ أَمَانَةُ الْمُبْتَاعِ بِنُصْرَةِ فَاسِقٍ غَادِرٍ بِأَمْوَالِ الْمُسْلِمینَ. [صفحه 894] فَهؤُلاَءِ قَادَةُ الْقَوْمِ، وَ مَنْ تَرَكْتُ لَكُمْ ذِكْرَ مَسَاوِئِهِ مِنْ قَادَتِهِمْ مِثْلُ مَنْ ذَكَرْتُ مِنْهُمْ، بَلْ هُوَ شَرُّ مِنْهُمْ وَ أَضَرُّ. وَ أَنْتُمْ تَعْرِفُونَهُمْ بِأَعْیَانِهِمْ وَ أَسْمَائِهِمْ. كَانُوا عَلَی الإِسْلاَمِ ضِدّاً، وَ لِنَبِیِّ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ حَرْباً، وَ لِلشَّیْطَانِ حِزْباً. لَمْ یَتَقَدَّمْ إِیمَانُهُمْ، وَ لَمْ یَحْدُثْ نِفَاقُهُمْ. أَكَلَةُ الرُّشَا، وَ عَبیدُ الدُّنْیَا. وَ لأَنْتُمْ عَلی مَا كَانَ مِنْكُمْ مِنْ تَوَاكُلٍ وَ تَخَاذُلٍ خَیْرٌ مِنْهُمْ وَ أَهْدی سَبیلاً. فیكُمُ الْفُقَهَاءُ، وَ الْعُلَمَاءُ، وَ النُّجَبَاءُ، وَ الْحُكَمَاءُ، وَ الْعُبَّادُ وَ الزُّهَّادُ فِی الدُّنْیَا، وَ عُمَّارُ الْمَسَاجِدِ بِتِلاَوَةِ الْقُرْآنِ، وَ حَمَلَةُ الْكِتَابِ، وَ الْمُتَهَجِّدُونَ بِالأَسْحَارِ. أَفَلاَ تَسْخَطُونَ وَ تَنْقِمُونَ أَنْ یُنَازِعَكُمُ الْوِلاَیَةَ عَلَیْكُمْ سُفَهَاؤُكُمْ وَ الأَشْرَارُ وَ الأَرَاذِلُ مِنْكُمُ، الْبِطَاءُ عَنِ الإِسْلاَمِ، الْجُفَاةُ فیهِ. فَاسْمَعُوا، هَدَاكُمُ اللَّهُ، قَوْلی إِذَا قُلْتُ، وَ أَطیعُوا أَمْری إِذَا أَمَرْتُ، وَ اعْرِفُوا نَصیحَتی إِذَا نَصَحْتُ، وَ اعْتَقِدُوا حَزْمی إِذَا حَزَمْتُ[172]، وَ الْتَزِمُوا عَزْمی إِذَا عَزَمْتُ، وَ انْهَضُوا لِنُهُوضی، وَ قَارِعُوا مَنْ قَارَعْتُ، فَوَ اللَّهِ لَئِنْ أَطَعْتُمُونی لاَ تَغْوُونَ، وَ إِنْ عَصَیْتُمُونی لاَ تَرْشُدُونَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالی: أَفَمَنْ یَهْدی إِلَی الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ یُتَّبَعُ أَمَّنْ لاَ یَهِدّی إِلاَّ أَنْ یُهْدی فَمَا لَكُمْ كَیْفَ تَحْكُمُونَ[173]. وَ قَالَ اللَّهُ تَعَالی لِنَبِیِّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ[174]. فَالْهَادِی بَعْدَ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ هَادٍ لأُمَّتِهِ عَلی مَا كَانَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، فَمَنْ عَسی أَنْ یَكُونَ الْهَادِی إِلاَّ الَّذی دَعَاكُمْ إِلَی الْحَقِّ، وَ قَادَكُمْ إِلَی الْهُدی؟[175]. فَخُذُوا لِلْحَرْبِ أُهْبَتَهَا، وَ أَعِدُّوا لَهَا عُدَّتَهَا، فَقَدْ شَبَّ لَظَاهَا، وَ عَلاَ سَنَاهَا، وَ أُوقِدَ نَارُهَا، [صفحه 895] وَ تَجَرَّدَ لَكُمُ الْفَاسِقُونَ الظَّالِمُونَ كَیْ یُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ، وَ یُعَذِّبُوا[176] عِبَادَ اللَّهِ. فَاتَّقُوا اللَّهَ، وَ قَاتِلُوا مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَ حَاوَلَ أَنْ یُطْفِئَ نُورَ اللَّهِ. قَاتِلُوا الْخَاطِئینَ الضَّالّینَ الْقَاسِطینَ الْمُجْرِمینَ، الَّذینَ لَیْسُوا بِقُرَّاءَ لِلْقُرْآنِ، وَ لاَ فُقَهَاءَ فِی الدّینِ، وَ لاَ عُلَمَاءَ فِی التَّأْویلِ، وَ لاَ لِهذَا الأَمْرِ بِأَهْلٍ فی سَابِقَةِ الإِسْلاَمِ[177]. وَ اسْتَشْعِرُوا الصَّبْرَ فَإِنَّهُ أَدْعی إِلَی النَّصْرِ. أَلاَ إِنَّهُ لَیْسَ أَوْلِیَاءُ الشَّیْطَانِ مِنْ أَهْلِ الطَّمَعِ وَ الْمَكْرِ وَ الْجَفَاءِ بِأَوْلی بِالْجِدِّ فی غَیِّهِمْ وَ ضَلاَلِهِمْ وَ بَاطِلِهِمْ، مِنْ أَوْلِیَاءِ اللَّهِ أَهْلِ الْبِرِّ وَ الزَّهَادَةِ وَ الإِخْبَاتِ فی طَاعَةِ رَبِّهِمْ، وَ مُنَاصَحَةِ إِمَامِهِمْ[178]. إِنّی، وَ اللَّهِ، لَوْ لَقیتُهُمْ وَحْدی[179] وَ هُمْ طِلاَعُ[180] الأَرْضِ كُلِّهَا مَا بَالَیْتُ بِهِمْ[181]، وَ لاَ اسْتَوْحَشْتُ مِنْهُمْ[182]. وَ إِنّی مِنْ ضَلاَلِهِمُ الَّذی هُمْ فیهِ، وَ الْهُدَی الَّذی أَنَا[183] عَلَیْهِ لَعَلی ثِقَةٍ وَ بَیِّنَةٍ وَ[184] بَصیرَةٍ مِنْ نَفْسی، وَ یَقینٍ مِنْ رَبّی. وَ لكِنَّ أَسیً یُریبُنی، وَ جَزَعاً یَعْتَرینی، وَ حُزْناً یُخَامِرُنی، مِنْ[185] أَنْ یَلِیَ أَمْرَ هذِهِ الأُمَّةِ [صفحه 896] سُفَهَاؤُهَا وَ فُجَّارُهَا، فَیَتَّخِذُوا مَالَ اللَّهِ دُوَلاً، وَ عِبَادَ اللَّهِ[186] خَوَلاً، وَ كِتَابَ اللَّهِ دَخَلاً[187]، وَ الصَّالِحینَ حَرْباً، وَ الْفَاسِقینَ حِزْباً. وَ اللَّهِ لَوْ وَلُوا عَلَیْكُمْ لأَظْهَرُوا فیكُمُ الْفَخْرَ وَ النُّكْرَ، وَ الْكُفْرَ وَ الْفُجُورَ، وَ التَّسَلُّطَ بِالْجَبْرِیَّةِ، وَ الْفَسَادَ فِی الأَرْضِ، وَ اتَّبَعُوا الْهَوی، وَ حَكَمُوا بِغَیْرِ الْحَقِّ، وَ لَعَمِلُوا فیكُمْ بِأَعْمَالِ كِسْری وَ قَیْصَرَ[188]. وَ أَیْمُ اللَّهِ[189]، لَوْ لاَ ذَلِكَ لَمَا أَكْثَرْتُ تَأْلیبَكُمْ وَ تَأْنیبَكُمْ، وَ جَمْعَكُمْ وَ تَحْریضَكُمْ، وَ لَتَرَكْتُكُمْ، إِذْ أَبَیْتُمْ وَ وَنَیْتُمْ، حَتَّی أَلْقَاهُمْ بِنَفْسی مَتی حُمَّ لی لِقَاؤُهُمْ. فَوَ اللَّهِ إِنّی لَعَلَی الْحَقِّ، وَ إِنّی لِلشَّهَادَةِ لَمُحِبُّ[190]، وَ إِنّی إِلی لِقَاءِ اللَّهِ[191] لَمُشْتَاقٌ، وَ لِحُسْنِ ثَوَابِهِ لَمُنْتَظِرٌ رَاجٍ. للَّهِ أَبُوكُمْ، مَا تَنْتَظِرُونَ؟[192]. أَلاَ تَرَوْنَ إِلی أَطْرَافِكُمْ قَدِ انْتُقِصَتْ، وَ إِلی أَمْصَارِكُمْ قَدِ افْتُتِحَتْ، وَ إِلی شیعَتی بِهَا قَدْ قُتِلَتْ؟[193]. أَلاَ تَرَوْنَ إِلی مَمَالِكِكُمْ تُزْوی، وَ إِلی مَسَالِحِكُمْ تَعْری[194]، وَ إِلی بِلاَدِكُمْ تُغْزی، وَ إِلی صَفَاتِكُمْ تُرْمی، وَ أَنْتُمْ ذَوُو عَدَدٍ جَمٍّ كَثیرٍ، وَ شَوْكَةٍ وَ بَأْسٍ شَدیدٍ ؟. إِنّی نَافِرٌ بِكُمْ، إِنْ شَاءِ اللَّهُ، فَ[195] انْفِرُوا، رَحِمَكُمُ اللَّهُ، إِلی قِتَالِ عَدُوِّكُمْ خِفَافاً وَ ثِقَالاً وَ جَاهِدُوا [صفحه 897] بِأَمْوَالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ فی سَبیلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَیْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ[196]. وَ لاَ تَثَّاقَلُوا إِلَی الأَرْضِ فَتُقِرُّوا بِالْخَسْفِ، وَ تَبُوءُوا[197] بِالذُّلِّ، وَ یَكُونَ نَصیبُكُمُ الأَخَسَّ[198]. إِنَّ أَخَا الْحَرْبِ الأَرِقُ، إِنْ نَامَ لَمْ تَنَمْ عَیْنُهُ[199]، وَ مَنْ نَامَ لَمْ یُنَمْ عَنْهُ، وَ مَنْ غَفِلَ أَوْدی ، وَ مَنْ ضَعُفَ ذَلَّ، وَ مَنْ كَرِهَ الْجِهَادَ فی سَبیلِ اللَّهِ كَانَ الْمَغْبُونَ الْمَهینَ. إِنّی لَكُمُ الْیَوْمَ عَلی مَا كُنْتُ عَلَیْهِ بِالأَمْسِ، وَ لَسْتُمْ لی عَلی مَا كُنْتُمْ عَلَیْهِ. وَ اللَّهِ لَوْ نَصَرْتُمْ اللَّهَ لَنَصَرَكُمُ اللَّهُ، وَ ثَبَّتَ أَقْدَامَكُمْ، إِنَّهُ حَقٌّ عَلَی اللَّهِ أَنْ یَنْصُرَ مَنْ نَصَرَهُ، وَ یَخْذُلَ مَنْ خَذَلَهُ. اَللَّهُمَّ اجْمَعْنَا وَ إِیَّاهُمْ عَلَی الْهُدی، وَ زَهِّدْنَا وَ إِیَّاهُمْ فِی الدُّنْیَا، وَ اجْعَلِ الآخِرَةَ خَیْراً لَنَا وَ لَهُمْ مِنَ الأُولی[200] وَ السَلاَمُ. [صفحه 899]
و ذلك لمّا سألوه عن أبی بكر و عمر و عثمان، فغضب علیه السلام، و قال:
فَكَیْفَ بِهذَا وَ الْمُشیرُونَ غُیَّبُ
فَغَیْرُكَ أَوْلی بِالنَّبِیِّ وَ أَقْرَبُ
قَدْ مَاتَ عُرْفٌ وَ بَدَا مُنْكَرُ
مَنْ قَدَّمُوا الْیَوْمَ وَ مَنْ أَخَّرُوا
مِنْهُ فَوَلُّوهُ وَ لاَ تُنْكِرُوا
صفحه 869، 870، 871، 872، 873، 874، 875، 876، 877، 878، 879، 880، 881، 882، 883، 884، 885، 886، 887، 888، 889، 890، 891، 892، 893، 894، 895، 896، 897، 899.
و نهج السعادة ج 5 ص 196. و مصباح البلاغة ج 4 ص 70 عن معادن الحكمة للكاشانی. و نسخة ابن أبی المحاسن ص 35. و نسخة الأسترابادی ص 32. و نسخة الصالح ص 68. و نسخة الأسترابادی ص 496. و البحار ج 29 ص 567 و ( مجلد قدیم ) ج 8 ص 601. و منهاج البراعة ج 3 ص 382. و المستدرك لكاشف الغطاء ص 114. و نهج السعادة ج 5 ص 211. و مصباح البلاغة ج 4 ص 77 عن معادن الحكمة للكاشانی. و نهج البلاغة الثانی ص 261. باختلاف بین المصادر. و منهاج البراعة ج 3 ص 383. و مصباح البلاغة ج 1 ص 147 عن المسترشد للطبری. و منهاج البراعة ج 3 ص 383. و مصباح البلاغة ج 1 ص 147 عن المسترشد للطبری. و مصباح البلاغة ج 1 ص 148 عن المسترشد للطبری و ج 4 ص 80 عن معادن الحكمة. و نهج السعادة ج 5 ص 222. و مصباح البلاغة ج 1 ص 149 عن المسترشد للطبری و ج 4 ص 81 عن معادن الحكمة. باختلاف بین المصادر. و نسخة عبده ص 499. و نسخة العطاردی ص 56 عن نسخة موجودة فی مكتبة ممتاز العلماء فی لكنهور، و عن نسخة موجودة فی مكتبة جامعة علیكره الهند. و نهج البلاغة الثانی ص 262. باختلاف بین المصادر. و مصباح البلاغة ج 1 ص 150 عن المسترشد للطبری و ج 4 ص 82 عن معادن الحكمة للكاشانی. باختلاف بین المصادر. و نسخة الأسترابادی ص 241. و نسخة الصالح ص 247. و منهاج البراعة ج 3 ص 384. و نهج السعادة ج 5 ص 244. و مصباح البلاغة ج 1 ص 154 عن المسترشد للطبری. باختلاف یسیر. و منهاج البراعة ج 3 ص 384. و مصباح البلاغة ج 1 ص 154 عن المسترشد للطبری. و منهاج البراعة ج 3 ص 384. و المستدرك لكاشف الغطاء ص 116. و مصباح البلاغة ج 1 ص 155 عن المسترشد للطبری و نهج البلاغة الثانی ص 263. باختلاف یسیر. و الاختصاص ص 153. و الإرشاد ص 143. و شرح ابن أبی الحدید ج 6 ص 97. و البحار ( مجلد قدیم ) ج 8 ص 602. و منهاج البراعة ج 3 ص 384. و المستدرك لكاشف الغطاء ص 116. و نهج السعادة ج 5 ص 135 و 240 و 248. و مصباح البلاغة ج 4 ص 87 عن معادن الحكمة للكاشانی. و نهج البلاغة الثانی ص 263. باختلاف بین المصادر. و مصباح البلاغة ج 4 ص 90 عن معادن الحكمة للكاشانی. و نهج البلاغة الثانی ص 265. و نسخة ابن أبی المحاسن ص 35. و نسخة العطاردی ص 34. و مصباح البلاغة ج 4 ص 91 عن معادن الحكمة للكاشانی. و نهج البلاغة الثانی ص 265. باختلاف بین المصادر. و مصباح البلاغة ج 4 ص 92 عن معادن الحكمة للكاشانی. و نهج البلاغة الثانی ص 266. باختلاف بین المصادر. و نهج السعادة ص 255. و مصباح البلاغة ج 4 ص 90 عن معادن الحكمة للكاشانی. و نهج البلاغة الثانی ص 267. باختلاف. و منهاج البراعة ج 3 ص 387. باختلاف بین المصادر.